فصل: تفسير الآيات (32- 34):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (26):

{وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (26)}
قوله تعالى: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} الكلمة الخبيثة كلمة الكفر.
وقيل: الكافر نفسه. والشجرة الخبيثة شجرة الحنظل كما في حديث أنس، وهو قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما، وعن ابن عباس أيضا: أنها شجرة لم تخلق على الأرض.
وقيل: هي شجرة الثوم، عن ابن عباس أيضا.
وقيل: الكمأة أو الطحلبة.
وقيل: الكشوث، وهي شجرة لا ورق لها ولا عروق في الأرض، قال الشاعر:
وهم كشوث فلا أصل ولا ورق

{اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ} اقتلعت من أصلها، قال ابن عباس، ومنه قول لقيط:
هو الجلاء الذي تجتث أصلكم ** فمن رأى مثل ذا يوما ومن سمعا

وقال المؤرج: أخذت جثتها وهي نفسها، والجثة شخص الإنسان قاعدا أو قائما. وجثه قلعه، واجتثه اقتلعه من فوق الأرض، أي ليس لها أصل راسخ يشرب بعروقه من الأرض. {ما لَها مِنْ قَرارٍ} أي من أصل في الأرض.
وقيل: من ثبات، فكذلك الكافر لا حجة له ولا ثبات ولا خير فيه، وما يصعد له قول طيب ولأعمل صالح.
وروى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة في قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً} قال: لا إله إلا الله {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} قال: المؤمن، {أَصْلُها ثابِتٌ} لا إله إلا الله ثابتة في قلب المؤمن، {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ} قال: الشرك، {كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} قال: المشرك، {اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ} أي ليس للمشرك أصل يعمل عليه.
وقيل: يرجع المثل إلى الدعاء إلى الإيمان، والدعاء إلى الشرك، لأن الكلمة يفهم منها القول والدعاء إلى الشيء.

.تفسير الآية رقم (27):

{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ (27)}
قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} قال ابن عباس: هو لا إله إلا الله.
وروى النسائي عن البراء قال قال: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ}
نزلت في عذاب القبر، يقال: من ربك؟ فيقول: ربي الله وديني دين محمد، فذلك قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ}. قلت: وقد جاء هكذا موقوفا في بعض طرق مسلم عن البراء أنه قوله، والصحيح فيه الرفع كما في صحيح مسلم وكتاب النسائي وأبي داود وابن ماجه وغيرهم، عن البراء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكر البخاري، حدثنا جعفر بن عمر، قال حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «إذا أقعد المؤمن في قبره أتاه آت ثم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ}». وقد بينا هذا الباب في كتاب التذكرة وبينا هناك من يفتن في قبره ويسأل، فمن أراد الوقوف عليه تأمله هناك.
وقال سهل بن عمار: رأيت يزيد بن هارون في المنام بعد موته، فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: أتاني في قبري ملكان فظان غليظان، فقالا: ما دينك ومن ربك ومن نبيك؟ فأخذت بلحيتي البيضاء وقلت: المثلى يقال هذا وقد علمت الناس جوابكما ثمانين سنة؟! فذهبا وقالا: أكتبت عن حريز بن عثمان؟ قلت نعم! فقالا: إنه كان يبغض عليا فأبغضه الله.
وقيل: معنى، {يُثَبِّتُ اللَّهُ} يديمهم الله على القول الثابت، ومنه قول عبد الله بن رواحة:
يثبت الله ما آتاك من حسن ** تثبيت موسى ونصرا كالذي نصرا

وقيل: يثبتهم في الدارين جزاء لهم على القول الثابت.
وقال القفال وجماعة: {فِي الْحَياةِ الدُّنْيا} أي في القبر، لأن الموتى في الدنيا إلى أن يبعثوا، {وَفِي الْآخِرَةِ} أي عند الحساب، وحكاه الماوردي عن البراء قال: المراد بالحياة الدنيا المسألة في القبر، وبالآخرة المسألة في القيامة: وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ أي عن حجتهم في قبورهم كما ضلوا في الدنيا بكفرهم فلا يلقنهم كلمة الحق، فإذا سئلوا في قبورهم قالوا: لا ندري، فيقول: لا دريت ولا تليت، وعند ذلك يضرب بالمقامع على ما ثبت في الأخبار، وقد ذكرنا ذلك في كتاب التذكرة.
وقيل: يمهلهم حتى يزدادوا ضلالا في الدنيا. {وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ} من عذاب قوم وإضلال قوم.
وقيل: إن سبب نزول هذه الآية ما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما وصف مسألة منكر ونكير وما يكون من جواب الميت قال عمر: يا رسول الله يكون معي عقلي؟ قال: {نعم} قال: كفيت إذا، فأنزل الله عز وجل هذه الآية.

.تفسير الآيات (28- 30):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30)}
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً} أي جعلوا بدل نعمة الله عليهم الكفر في تكذيبهم محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حين بعثه الله منهم وفيهم فكفروا، والمراد مشركو قريش وأن الآية نزلت فيهم، عن ابن عباس وعلي وغيرهما.
وقيل: نزلت في المشركين الذين قاتلوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر. قال أبو الطفيل: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: هم قريش الذين نحروا يوم بدر.
وقيل: نزلت في الأفجرين من قريش بني محزوم وبني أمية، فأما بنو أمية فمتعوا إلى حين، وأما بنو مخزوم فأهلكوا يوم بدر، قاله علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وقول رابع: أنهم متنصرة العرب جبلة بن الأيهم وأصحابه حين لطم فجعل له عمر القصاص بمثلها، فلم يرض وأنف فارتد متنصرا ولحق بالروم في جماعة من قومه، عن ابن عباس وقتادة. ولما صار إلى بلد الروم ندم فقال:
تنصرت الأشراف من عار لطمة ** وما كان فيها لو صبرت لها ضرر

كنفني منها لجاج ونخوة ** وبعت لها العين الصحيحة بالعور

فيا ليتني أرعى المخاض ببلدة ** ولم أنكر القول الذي قاله عمر

وقال الحسن: إنها عامة في جميع المشركين. {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ} أي أنزلوهم. قال ابن عباس: هم قادة المشركين يوم بدر. {أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ} أي الذين أتبعوهم. {دارَ الْبَوارِ} قيل: جهنم، قاله ابن زيد.
وقيل: يوم بدر، قاله علي بن أبي طالب ومجاهد. والبوار الهلاك، ومنه قول الشاعر:
فلم أر مثلهم أبطال حرب ** غداة الحرب إذ خيف البوار

{جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها} بين أن دار البوار جهنم كما قال ابن زيد، وعلى هذا لا يجوز الوقف على {دارَ الْبَوارِ} لأن جهنم منصوبة على الترجمة عن {دارَ الْبَوارِ} فلو رفعها رافع بإضمار، على معنى: هي جهنم، أو بما عاد من الضمير في {يَصْلَوْنَها} لحسن الوقف على {دارَ الْبَوارِ}. {وَبِئْسَ الْقَرارُ} أي المستقر. قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً} أي أصناما عبدوها، وقد تقدم في البقرة. {لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ} أي عن دينه. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء، وكذلك في الحج {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الحج: 9] ومثله في لقمان والزمر وضمها الباقون على معنى ليضلوا الناس عن سبيله، وأما من فتح فعلى معنى أنهم هم يضلون عن سبيل الله على اللزوم، أي عاقبتم إلى الإضلال والضلال، فهذه لام العاقبة. {قُلْ تَمَتَّعُوا} وعيد لهم، وهو إشارة إلى تقليل ما هم فيه من ملاذ الدنيا إذ هو منقطع. {فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} أي مردكم ومرجعكم إلى عذاب جهنم.

.تفسير الآية رقم (31):

{قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (31)}
قوله تعالى: {قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} أي إن أهل مكة بدلوا نعمة الله بالكفر، فقل لمن آمن وحقق عبوديته أن {يُقِيمُوا الصَّلاةَ} يعني الصلوات الخمس، أي قل لهم أقيموا، والأمر معه شرط مقدر، تقول: أطع الله يدخلك الجنة، أي إن أطعته يدخلك الجنة، هذا قول الفراء.
وقال الزجاج: {يُقِيمُوا} مجزوم بمعنى اللام، أي ليقيموا فأسقطت اللام لأن الأمر دل على الغائب ب {قُلْ}. قال: ويحتمل أن يقال: {يُقِيمُوا} جواب أمر محذوف، أي قل لهم أقيموا الصلاة يقيموا الصلاة. {وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً} يعني الزكاة، عن ابن عباس وغيره.
وقال الجمهور: السر ما خفي والعلانية ما ظهر.
وقال القاسم ابن يحيى: إن السر التطوع والعلانية الفرض، وقد مضى هذا المعنى في البقرة مجودا عند قوله: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271]. {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ} تقدم في البقرة أيضا. و{خِلالٌ} جمع خلة كقلة وقلال. قال: فلست بمقلي الخلال ولا قالي.

.تفسير الآيات (32- 34):

{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (33) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)}
قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ} أي أبدعها واخترعها على غير مثال سبق. {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ} أي من السحاب. {ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ} أي من الشجر ثمرات {رِزْقاً لَكُمْ}. {وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ} تقدم معناه في البقرة. {وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ} يعني البحار العذبة لتشربوا منها وتسقوا وتزرعوا، والبحار المالحة لاختلاف المنافع من الجهات. {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ} أي في إصلاح ما يصلحانه من النبات وغيره، والدءوب مرور الشيء في العمل على عادة جارية.
وقيل: دائبين في السير امتثالا لأمر الله، والمعنى يجريان إلى يوم القيامة لا يفتران، روي معناه عن ابن عباس. {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ} أي لتسكنوا في الليل ولتبتغوا من فضله في النهار، كما قال: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [القصص: 73]. قوله تعالى: {وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ} أي أعطاكم من كل مسئول سألتموه شيئا، فحذف، عن الأخفش.
وقيل: المعنى وآتاكم من كل ما سألتموه، ومن كل ما لم تسألوه فحذف، فلم نسأله شمسا ولا قمرا ولا كثيرا من نعمه التي ابتدأنا بها. وهذا كما قال: {سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] على ما يأتي.
وقيل: {مِنْ} زائدة، أي أتاكم كل ما سألتموه. وقرأ ابن عباس والضحاك وغيرهما {وآتاكم من كل} بالتنوين {ما سَأَلْتُمُوهُ} وقد رويت هذه القراءة عن الحسن والضحاك وقتادة، هي على النفي أي من كل ما لم تسألوه، كالشمس والقمر وغيرهما.
وقيل: من كل شيء ما سألتموه أي الذي ما سألتموه. {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ} أي نعم الله. {لا تُحْصُوها} ولا تطيقوا عدها، ولا تقوموا بحصرها لكثرتها، كالسمع والبصر وتقويم الصور إلى غير ذلك من العافية والرزق، نعم لا تحصى وهذه النعم من الله، فلم تبدلون نعمة الله بالكفر؟! وهلا استعنتم بها على الطاعة؟! {إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} الإنسان لفظ جنس وأراد به الخصوص، قال ابن عباس: أراد أبا جهل.
وقيل: جميع الكفار.

.تفسير الآيات (35- 36):

{وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36)}
قوله تعالى: {وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً} يعني مكة وقد مضى في البقرة. {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ} أي اجعلني جانبا عن عبادتها، وأراد بقوله: {اجْنُبْنِي} بنيه من صلبه وكانوا ثمانية، فما عبد أحد منهم صنما.
وقيل: هو دعاء لمن أراد الله أن يدعو له. وقرأ الجحدري وعيسى {وأجنبني} بقطع الألف والمعنى واحد، يقال: جنبت ذلك الأمر، وأجنبته وجنبته إياه فتجانبه وأجتنبه أي تركه. وكان إبراهيم التيمي يقول في قصصه: من يأمن البلاء بعد الخليل حين يقول: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ} كما عبدها أبي وقومي. قوله تعالى: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ} لما كانت سببا للإضلال أضاف الفعل إليهن مجازا، فإن الأصنام جمادات لا تفعل. {فَمَنْ تَبِعَنِي} في التوحيد. {فَإِنَّهُ مِنِّي} أي من أهل ديني. {وَمَنْ عَصانِي} أي أصر على الشرك. {فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} قيل: قال هذا قبل أن يعرفه الله أن الله لا يغفر أن يشرك به.
وقيل: غفور رحيم لمن تاب من معصيته قبل الموت.
وقال مقاتل بن حيان: {وَمَنْ عَصانِي} فيما دون الشرك.

.تفسير الآية رقم (37):

{رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)}
فيه ست مسائل:
الأولى: روى البخاري عن ابن عباس: أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل، اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه، حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم! أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شي، فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: الله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت إذا لا يضيعنا، ثم رجعت، فانطلق إبراهيم. حتى إذا كان عند التثنية حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهذه الدعوات، ورفع يديه فقال: {رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} [إبراهيم: 37] حتى بلغ {يَشْكُرُونَ} وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى- أو قال يتلبط- فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا، فلم تر أحدا، فهبطت من الصفا، حتى إذا بلغت الوادي، رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود، ثم جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليه، فنظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «فذلك سعي الناس بينهما» فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت: صه! تريد نفسها، ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت: قد أسمعت، إن كان عندك غواث! فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه- أو قال بجناحه- حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف، قال ابن عباس قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم- أو قال: لو لم تغرف من الماء- لكانت زمزم عينا معينا قال: فشربت وأرضعت ولدها فقال لها الملك: لا تخافي الضيعة فإن ها هنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله» وذكر الحديث بطوله.
مسألة- لا يجوز لأحد أن يتعلق بهذا في طرح ولده وعياله بأرض مضيعة اتكالا على العزيز الرحيم، واقتداء بفعل إبراهيم الخليل، كما تقول غلاة الصوفية في حقيقة التوكل، فإن إبراهيم فعل ذلك بأمر الله لقوله في الحديث: الله أمرك بهذا؟ قال: نعم. وقد روي أن سارة لما غارت من هاجر بعد أن ولدت إسماعيل خرج بها إبراهيم عليه السلام إلى مكة، فروي أنه ركب البراق هو وهاجر والطفل فجاء في يوم واحد من الشام إلى بطن مكة، وترك ابنه وأمته هنالك وركب منصرفا من يومه، فكان ذلك كله بوحي من الله تعالى، فلما ولي دعا بضمن هذه الآية.
الثانية: لما أراد الله تأسيس الحال، وتمهيد المقام، وخط الموضع للبيت المكرم، والبلد المحرم، أرسل الملك فبحث عن الماء وأقامه مقام الغذاء، وفي الصحيح: أن أبا ذر رضي الله عنه اجتزأ به ثلاثين بين يوم وليلة، قال أبو ذر: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عكني، وما أجد على كبدي سخفة جوع، وذكر الحديث. وروي الدارقطني عن ابن عباس قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «ماء زمزم لما شرب له إن شربته تشتفي به شفاك الله وإن شربته لشبعك أشبعك الله به وإن شربته لقطع ظمئك قطعه وهي هزمة جبريل وسقيا الله إسماعيل». وروي أيضا عن عكرمة قال: كان ابن عباس إذا شرب من زمزم قال: اللهم إني أسألك علما نافعا، ورزقا واسعا، وشفاء من كل داء. قال ابن العربي: وهذا موجود فيه إلى يوم القيامة لمن صحت نيته، وسلمت طويته، ولم يكن به مكذبا، ولا يشربه مجربا، فإن الله مع المتوكلين، وهو يفضح المجربين.
وقال أبو عبد الله محمد بن علي الترمذي وحدثني أبي رحمه الله قال: دخلت الطواف في ليلة ظلماء فأخذني من البول ما شغلني، فجعلت أعتصر حتى آذاني، وخفت إن خرجت من المسجد أن أطأ بعض تلك الأقدام، وذلك أيام الحج، فذكرت هذا الحديث، فدخلت زمزم فتضلعت منه، فذهب عني إلى الصباح. وروي عن عبد الله بن عمرو: إن في زمزم عينا في الجنة من قبل الركن.
الثالثة: قوله تعالى: {مِنْ ذُرِّيَّتِي} {مِنْ} في قوله تعالى: {مِنْ ذُرِّيَّتِي} للتبعيض أي أسكنت بعض ذريتي، يعني إسماعيل وأمه، لأن إسحاق كان بالشام.
وقيل: هي صلة، أي أسكنت ذريتي.
الرابعة: قوله تعالى: {عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} يدل على أن البيت كان قديما على ما روي قبل الطوفان، وقد مضى هذا المعنى في سورة البقرة وأضاف البيت إليه لأنه لا يملكه غيره، ووصفه بأنه محرم، أي يحرم فيه ما يستباح في غيره من جماع واستحلال.
وقيل: محرم على الجبابرة، وأن تنتهك حرمته، ويستخف بحقه، قاله قتادة وغيره. وقد مضى القول في هذا في المائدة.
الخامسة: قوله تعالى: {رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ} خصها من جملة الدين لفضلها فيه، ومكانها منه، وهي عهد الله عند العباد، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «خمس صلوات كتبهن الله على العباد». الحديث. واللام في {لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ} لام كي، هذا هو الظاهر فيها وتكون متعلقة ب {أَسْكَنْتُ} ويصح أن تكون لام أمر، كأنه رغب إلى الله أن يأتمنهم وأن يوفقهم لإقامة الصلاة.
السادسة: تضمنت هذه الآية أن الصلاة بمكة أفضل من الصلاة بغيرها، لأن معنى {رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ} أي أسكنتهم عند بيتك المحرم ليقيموا الصلاة فيه. وقد اختلف العلماء هل الصلاة بمكة أفضل أو في مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فذهب عامة أهل الأثر إلى أن في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة مسجدي هذا بمائة صلاة». قال الإمام الحافظ أبو عمر: وأسند هذا الحديث حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن الزبير وجوده، ولم يخلط في لفظه ولا في معناه، وكان ثقة. قال ابن أبي خيثمة سمعت يحيى بن معين يقول: حبيب المعلم ثقة. وذكر عبد الله بن أحمد قال سمعت أبي يقول: حبيب المعلم ثقة ما أصح حديثه! وسيل أبو زرعة الرازي عن حبيب المعلم فقال: بصري ثقة. قلت- وقد خرج حديث حبيب المعلم هذا عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن الزبير عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحافظ أبو حاتم محمد بن حاتم التميمي البستي في المسند الصحيح له، فالحديث صحيح وهو الحجة عند التنازع والاختلاف. والحمد لله. قال أبو عمر: وقد روي عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل حديث ابن الزبير، رواه موسى الجهني عن نافع عن ابن عمرو، وموسى الجهني الكوفي ثقة، أثني عليه القطان وأحمد ويحيى وجماعتهم.
وروى عنه شعبة. والثوري ويحيى بن سعيد.
وروى حكيم بن سيف، حدثنا عبيد الله بن عمر، عن عبد الكريم عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف فيمن سواه». وحكيم بن سيف هذا شيخ من أهل الرقة قد روى عنه أبو زرعة الرازي، واخذ عنه ابن وضاح، وهو عندهم شيخ صدوق لا بأس به. فإن كان حفظ فهما حديثان، وإلا فالقول قول حبيب المعلم.
وروى محمد بن وضاح، حدثنا يوسف بن عدي عن عمر بن عبيد عن عبد الملك عن عطاء عن ابن عمر قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام فإن الصلاة فيه أفضل». قال أبو عمر: وهذا كله نص في موضع الخلاف قاطع له عند من ألهم رشده، ولم تمل به عصبيته.
وذكر ابن حبيب عن مطرف وعن أصبغ عن ابن وهب أنهما كانا يذهبان إلى تفضيل الصلاة في المسجد الحرام على الصلاة في مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ما في هذا الباب. وقد اتفق مالك وسائر العلماء على أن صلاة العيدين يبرز لهما في كل بلد إلا مكة فإنها تصلي في المسجد الحرام. وكان عمر وعلي وابن مسعود وأبو الدرداء وجابر يفضلون مكة ومسجدها وهم أولى بالتقليد ممن بعدهم، وإلى هذا ذهب الشافعي. وهو قول عطاء والمكيين والكوفيين، وروي مثله عن مالك، ذكر ابن وهب في جامعه عن مالك أن آدم عليه السلام لما أهبط إلى الأرض قال: يا رب هذه أحب إليك أن تعبد فيها؟ قال: بل مكة. والمشهور عنه وعن أهل المدينة تفضيل المدينة، واختلف أهل البصرة والبغداديون في ذلك، فطائفة تقول مكة، وطائفة تقول المدينة. قوله تعالى: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} الأفئدة جمع فؤاد وهي القلوب، وقد يعبر عن القلب بالفؤاد كما قال الشاعر:
وإن فؤادا قادني بصبابة ** إليك على طول المدى لصبور

وقيل: جمع وفد، والأصل أوفده، فقدمت الفاء وقلبت الواو ياء كما هي، فكأنه قال: واجعل وفودا من الناس تهوي إليهم، أي تنزع، يقال: هوي نحوه إذا مال، وهوت الناقة تهوي هويا فهي هاوية إذا عدت عدوا شديدا كأنها في هواء بئر، وقوله: {تَهْوِي إِلَيْهِمْ} مأخوذ منه. قال ابن عباس ومجاهد: لو قال أفئدة الناس لازدحمت عليه فارس والروم والترك والهند واليهود والنصارى والمجوس، ولكن قال: {مِنَ النَّاسِ} فهم المسلمون، فقوله: {تَهْوِي إِلَيْهِمْ} أي تحن إليهم، وتحن إلى زيارة البيت. وقرأ مجاهد {تَهْوِي إِلَيْهِمْ} أي تهواهم وتجلهم. {وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} فاستجاب الله دعاءه، وأنبت لهم بالطائف سائر الأشجار، وبما يجلب إليهم من الأمصار.
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس الحديث الطويل وقد ذكرنا بعضه: «فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل يطالع تركته فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثم سألهم عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بشر، نحن في ضيق وشدة، فشكت إليه، قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل كأنه أنس شيئا فقال: هل جاءكم من أحد! قالت: نعم جاءنا شيخ كذا وكذا فسألني عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشتنا فأخبرته أنا في جهد وشدة، قال: فهل أوصاك بشيء: قالت: أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول: غير عتبة بابك، قال: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك ألحقي بأهلك، فطلقها وتزوج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد فلم يجده، ودخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بخير وسعة وأثنت على الله. قال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم. قال فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء. قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم دعا لهم فيه». قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه، وذكر الحديث.
وقال ابن عباس: قول إبراهيم {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} سأل أن يجعل الله الناس يهوون السكنى بمكة، فيصير بيتا محرما، وكل ذلك كان والحمد لله. وأول من سكنه جرهم. ففي البخاري- بعد قوله: وإن الله لا يضيع أهله- وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله، وكذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم قافلين من طريق كذا، فنزلوا بأسفل مكة، فرأوا طائرا عائفا فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء! لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جريا أو جريين فإذا هم بالماء، فأخبروهم بالماء فأقبلوا. قال: وام إسماعيل عند الماء، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم ولكن لا حق لكم في الماء. قالوا: نعم. قال ابن عباس قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس. فنزلوا وأرسلوا إلى أهلهم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، شب الغلام، وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل يطالع تركته» الحديث.